وقد قدمت عدة قراءات حول النص
اخترت منها قراءة لمحمد باقي محمد من سوريا..
وقراءة سعيد رمضان علي ، من العريش / مصر.
سعيد رمضان على | مصر
المميز في سمير الفيل انه بسيط وهنا يكمن عمقه ..
وفى قصته " صيادية " يشحن النص بالتوتر .. ويقودنا لنهاية مخالفة .. وهو يبدأ القصة بسطر غاية في الدهشة :
(تأكدت من وضع الزجاجة الصغيرة في مخبأها وراء رف كتب التراث بحوافها المذهبة )
فلماذا وضعت الزجاجة وراء رف كتب التراث ، ولم تضعها في أي مكان أخر ؟
يعمل السرد على فتح الذاكرة .. فالرف المحمل بكتب التراث يستحضر الماضي .. لكن الماضي البعيد يقابله الحاضر القريب من خلال الزجاجة .. وعندما يعمل السرد على فتح الذاكرة فهو يشحن الموقف بنوع من الصدام .. فهناك ماضي لامع يصف ( بحواف مذهبة ) مقابل واقع يحمل زجاجة سم .. معبرا عن حاضرا تعسا يحتوى القلب ويسيطر عليه ..
لكن النص كان ذكيا .. فلم يستحضر مفارقة الذكر والأنثى .. ولم يظهر صراعا بينهما .. بل انه عندما شحن الموقف بنوع من الصدام .. فهو يحيله ليكون متكاملا بين الرجل والمرأة والكاتب ينهى قصته بذلك .
بل هو يحمل النهاية بطاقة من الألفة بين الجنسين ، ولمسات حنو كما في هذا المقطع :
( بدا صوته أليفا ، ودودا ، كأنه قادم من عالم آخر . صوت مشحون بعتاب خفيف . بتردد مبهم قاومت عاطفة قديمة انبثقت في صدرها بلا مناسبة (
وجاء ذلك بعد أن طلبها لتتناول معه الطعام
((صاح فيها وهو يلم ساقيه : فكرية. الأرز سيبرد. )
و هو عندما يطلبها لتشاركه الطعام ، يضعنا بشكل لافت أمام موقف إنساني .. فهو زوج لا يهجم على الطعام وينسى زوجته ..
ثم انه أيضا أب لا ينسى أولاده:
(سأل عن سلوى وأحمد فأخبرته أنهما عند جدتهما ، ولن يتأخرا. )
وعلينا أن نلتفت لكلمة نهاية المقطع : ( ولن يتأخرا . )
وهى لا تقال إلا لأب يحب أولادة ويخاف عليهم ..
ويبدو أن النص يعمل على أعلاء الرجل كزوج وأب ، رغم التوتر لتوقعنا جريمة قتله بسبب ما يعتمل في صدر الزوجة منه .
أن الإعلاء .. أي إعلاء الرجل كزوج وأب ينقلنا بشكل يدعو للدهشة من الشر إلى الخير .. ثم من الخير إلى الشر .. ويظل الوضع متأرجحا بين نقيضين .. من الأسود إلى الأبيض مرورا بمناطق رمادية .. من بداية النص حتى نهايته ..
وعلينا ربط موضوع النص وحركاته مع العنوان " صيادية " ورغم بساطته ، إلا انه حمال أوجه : فصيادية تعنى طعام يكون السمك فيه مطهو .. لكنه يشير لصيد السمك .. أو بشكل خفي إلى الرجل الذي يقوم بطقوس الصيد ..
لكن عندما يكون السمك المطهو سمك بوري ، فهو يشير بشكل خفي لفراغ حياة المرأة .. بعد اكتشافها لخطابات غريمتها ..
والعنوان أيضا عند ذكره فهو يستدعى ماضيا .. من حيث أن هذا الطعام ليس مستحدثا .. بل هو بالأخص ينتمي للبيئة الشعبية .. ولذا يندمج العنوان مع كتب التراث في بداية النص .. ويندمج أيضا مع زجاجة السم من حيث كونه طعام يصنع حاضرا ..
ثم انه عنوان ينقلنا إلى عالم المرأة من حيث أن الطهو تم على يديها .. لكنه عالم محكوم بالرجل .. الذي يمكن أن يحيل عالم المرأة إلى سعادة أو شقاء ..
ومن هذا نرى أن العنوان البسيط شديد العمق .. ويعتمد البدائل .. أي عوالم الرجل وعوالم المرأة .. ثم يمزجهما معا ..
-------------
محمد باقي محمد | سوريا
إذن لقد عثرت الزوجة على الرسائل التي كانت غريمتها ترسلها في مُغلفات وردية، فتكشفت لها خيانة زوجها، الموضوع لن يمرّ بسلام، لأنّها ستنتقم منه من كل بدّ، أليست الطريق إلى قلب الرجل تمر بمعدته، حسناً ما عليها سوى أن تضع ثلاث قطرات من السمّ في حساء الصياديّة، ستقتله، ولن يجد طبيباً لينقذه، هي ستتظاهر بالذعر، وتهيىء الجو ليصدق بأنّ الطبيب في طريقه إليه!
صعد الزوج بعد صلاة الظهر، متسائلاً عن الأولاد، فأخبرته بأنهما عند جدتهما، وبدأت بإحضار الطعام، مدت يدها إلى الزجاجة، عندما فاجأها نداؤه الودود بأنّ الرز سيبرد، وفي التوّ استيقظت في الأعماق عاطفة قديمة، فألقت بالزجاجة فوق المهملات، وجلست إلى المائدة، فيما ارتفع صوته الأليف بعبارة: سلمت يمينك!
الموضوع يحيل إلى الاجتماعي، أي إلى العلاقة الأزلية بين الذكر والأنثى، وهي علاقة مرتبكة ومكسورة بسبب من هيمنة المنظومة الذكوريّة ، هي تنتمي إلى مجتمع ذي مواصفات محددة إذن، وعليه فإنّ عدد المرات التي تفكّرَ الأزواج فيها بالتخلص من زوجاتهم أو العكس، ثمّ تراجعوا / أو تراجعن في آخر لحظة لا يُحصى! طبعاً ليس ضرورياً أن يُفكروا في قتلهنّ أو العكس، قد يُفكرون / أو تفكرن في الهجر أو الطلاق أو إنهاء العلاقة بشكل ما! ولأنّ هذه المشكلة ليست في طريقها إلى الحل، ذلك أنّها أساساً لم تدرج على قائمة المواضيع التي يتم إعادة النظر فيها، ستظل الكتابة فيها أمراً مشروعاً، لكنّنا إلى ذلك نود الوقوف بالكيفية التي اشتغل " سمير الفيل" بها هذا الموضوع الذي عنونه بـ " الصياديّة"!
إنّ الزمن في النصّ لا يتجاوز بضع ساعات، ما يجعل الحديث في إشكاليته غير واردة، ولذلك لجأ القاصّ إلى الفعل الماضي، أي إلى السرد التقليديّ، لكن لا ليسرد لنا المتن من المبتدأ إلى الخواتيم، بل ليشتغل على التصويري، أي أنّه اشتغل بما يشبه التكنيك السينمائيّ، فبدا كمن يحمل كاميرا محمولة، ليشتغل على مونتاج ضمنيّ مُزدوج، فيتناوب على تصوير الزوج مرة والزوجة مرة أخرى، وهكذا دواليك، إذْ ها هي الزوجة تطمئن على زجاجة السمّ، بعد أن استقرّ قرارها على إزهاق روحه! هذا هو المسار، أمّا في المسار الثاني فيذهب إلى الزوج المتمدد فوق سريره، مسنداً رأسه إلى حشية محصورة بين الفروة وخشب " الأرو"!
لغة القصّ تميل إلى التعبيريّن وهي لغة تنتظم غير نصّ لـ " الفيل"، ما يشي بانتمائه إلى تيار عريض يرفض الشاعرية فيها، ويرى فيها عبئاً على القصّ، في حين يرى تيار آخر العكس، فيشتغل عل الشاعريّ، حتى أنّ ناقداً سورياً دفع الأمور إلى حدودها القصوى، عندما طالب بالقصة القصيدة، فيما أطلق الشاعر الكبير أدونيس نداء لإنجاز نصّ يتجاوز الأجناس الأدبية!
وعطفاً على ذاكرة الزمن، نردف بأنّه على قصره لم يأت على الفيزيائيّ التقليديّ فقط، بل جاء على المنكسر منضوياً في إهاب الفيزيائيّ، ففي البداية صور لنا الزوجة وهي تخطط لقتل زوجها، ثمّ عاد بنا القهقري نحو اللحظة التي اكتشفت فيها خيانته، وعلى الرغم من أنّه كشف لنا أوراقها - إذا جاز التعبير - إلاّ أنّه استطاع لخصوصيّة في الموضوع أن يستأثر باهتمامنا حتى الخواتيم! لقد أتاح الزمن المنكسر للقاصّ توزيع الحدث تقديماً وتأخيراً بشكل متقصد، توخياً للتشويق من جهة، وليشي بمقولة القصّ على النحو الذي يريده من جهة أخرى، ناهيك عن أنّه كسر إيقاع الفيزيائي الذي رسم مساراً متنامياً ينتظم المتن!
ثانية كنا نتمنى أن يتم الاشتغال على المكان باهتمام أكبر، كأن تمرّ الزوجة على مفردات المطبخ، خاصة وأنّ الحدث يتناسب والمغلق من الأمكنة، ثمّ أنّ شيئاً من التماهي بين المكان وشخوصه كان سيكسبه إيقاعاً نفسياً إلى جانب إيقاعه الواقعيّ! بيد أنّنا لن نستطيع أن ننكر بأنّ النصّ ككل توهج بين يدي القاص ليرقى إلى توهج المرجع الواقعيّ!
أمّا في الخواتيم فلقد خالف القاص مسار حدثه، بعكس توقعاتنا المستندة إلى المقدمات، ما أدهشنا! صحيح أنّ الشحنة التي ترافقت بقراءة النصّ كانت قد هدأت واستكنّت، ولكن من قال بأنّنا كنا مع مقتل الزوج، وعليه فإنّ الوقت الذي كان على الأعصاب أن ترتاح فيه قد أزف، ومع ذلك ماذا لو تساءلنا إن كان هذا هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن ينفذ به النصّ!
الثلاثاء يونيو 23, 2009 9:11 am
صــاحــب المنتـــدى
